لم تكن المساجد يومًا مجرد مبانٍ وظيفية، بل كانت مراكز مدنها، ومبدئها الثابت وسط تغيّر كل شيء من حولها، ومُنتهاها الأسمى والأعلى، منها تُقاس الأوقات وفيها تُعقد المجالس وتُتخذ القرارات، وتمتد حلقات الطلاب.

تفيض الأسواق بمشاهد من الألوان والروائح، في رحلة مشرعة الأبواب أمام المقيم والعابر، ننتقل لاكتشافها بين «سوق القيصرية» في الهفوف إلى «سوق برزان» في حائل مرورًا بأسواق المدينة المنورة وروضة سدير، وأسواق أبها.

في المدن القديمة لم يكن البيت مجرد مكان يؤويهم، بل كان انعكاسًا دقيقًا لطبيعة المهنة التي يمارسها أهله، واحتياجاتهم اليومية بجميع فصولها منذ انطلاقهم فجرًا، مع الشمس التي تلقي بأشعتها وتتسلل إلى أزقة وطرقات هذه المدن، وتزجي معها معانٍ في القلب للتوكل والسعي للرزق. 

تقف البيوت شاهدة على كل فصول الحياة اليومية، فهي ليست هياكل جامدة، ولكنها عناصر محمّلة بخصوصيات تتميز بها كل جهة من جهات السعودية شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا، وهي نتيجة اجتماعية للذوق المحلي الرفيع، وحلول الأجداد الذكية في تشييد هذه المساكن على مر أحقاب التاريخ.

لا تُبنى المدن على الطوب والحجارة فحسب، بل تُبنى على مفاهيم أكثر تعقيدًا، وعلاقات تتكئ على بعضها. 

في هذه الحلقة:نسترجع كيف كان الجار يمثل السور والظل والسند وكيف كانت الأزقة تضيق بالعمران وتتّسع بالونس.

المجلس أو المضافة، واجهة البيت، وأثمن مفاخر العربيّ الكريم، والحيّز المكاني الذي يجسد طقسًا ثقافيًا ممتدًا يمارسه إنسان هذه الأرض منذ قرون، يتمثله في أقواله بعبارات مثل: «مجلسك ومكانك» و «البيت بيتك»، وبأفعاله في ترك بابه مفتوحًا لزواره.